في خطوة تُعتبر تاريخية، وقعت وزارة العدل المصرية وخمس طوائف مسيحية معترف بها، في 14 ديسمبر 2024، على مشروع قانون يتعلق بالشؤون الشخصية للمسيحيين. ويأتي ذلك بعد سنوات من الجهود التي بدأت منذ عام 2014 لتطوير هذا القانون الهام.
تفاصيل القانون الجديد
وصرح مونسهف نجيب سليمان، المستشار الرئيسي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وعضو البرلمان، أن هذا الحد يمثل “لحظة تاريخية”، مشيرًا إلى أن العمل على صياغة القانون بدأ في عام 1977، لكن الدعم الذي قدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي كان له دور كبير في الوصول إلى النسخة النهائية من المشروع.
أحد أبرز التعديلات في هذا القانون هو إعادة النظر في قواعد الطلاق، حيث تم السماح به ليس فقط في حالة الخيانة ولكن أيضًا في حالات الاحتيال، مما يزيد من أسباب إنهاء الزواج بشكل كبير.
تعزيز المساواة بين الجنسين
بالإضافة إلى ذلك، يركز القانون الجديد على قضايا الإرث، حيث يعزز مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، مستندًا إلى المبادئ الواردة في الكتب المقدسة. يُعتبر هذا التحول خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين داخل المجتمعات المسيحية.
وأكد مونسهف نجيب أن النسخة المتفق عليها من القانون ستقضي على نحو 90% من المشاكل الحالية المتعلقة بالقانون الأسري بين المسيحيين في مصر. يغطي القانون مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالحالة الشخصية، بما في ذلك عقبات الزواج، والخطوبة، وتسجيل وإنهاء الزيجات، وحضانة الأطفال.
خلفية عن وضع المسيحيين في مصر
تُعد المسيحية ثاني أكبر دين في مصر، حيث يُقدر عدد الأقباط ما بين 9.5 إلى 11 مليون شخص، يشكلون حوالي 10% من إجمالي السكان. تاريخيًا، كانت التشريعات القبطية بشأن الشؤون الشخصية محدودة بالتعاليم الدينية. وقد واجهت الأسر المسيحية في مصر العديد من التعقيدات القانونية، فبينما كانت المحاكم المدنية تعترف بالطلاق، لم يكن ذلك دائمًا معترفًا به من قبل الهيئات الكنسية.
منذ عام 1971، كانت الكنيسة تتيح الطلاق فقط في حالتين: الخيانة أو تحول أحد الزوجين إلى دين آخر، مما أدى إلى الكثير من النزاعات القانونية والمشاكل العامة. وبحسب وسائل الإعلام المصرية، فإن القانون الجديد يهدف إلى معالجة هذه الاختلافات وإقامة قواعد أكثر شمولية.
بذلك، يُنتظر أن يحدث هذا القانون تأثيرًا إيجابيًا على حياة آلاف المسيحيين في مصر، حيث يسهم في تنظيم قضاياهم الأسرية بشكل أكثر فعالية وشفافية.
استجابة المجتمع المسيحي
حظيت هذه الخطوة بتأييد واسع من قبل العديد من القيادات الدينية والمجتمعية في مصر، حيث عبر الكثيرون عن ارتياحهم لإقرار قانون ينظم الشؤون الشخصية للمسيحيين بشكل يتماشى مع تطورات المجتمع. كما تم الإشادة بالقانون من قبل نشطاء الحقوق المدنية الذين رأوا فيه تقدماً نحو تعزيز حقوق الأفراد داخل المجتمعات الأديان، خاصةً في ظل التوجهات الحديثة نحو المساواة والعدالة الاجتماعية.
تأثير القانون على الشباب والأسرة
من المتوقع أن يكون للقانون الجديد تأثير كبير على الشباب المسيحي الذي يسعى للزواج وتكوين أسر. وبفضل التغييرات التي أُدخلت على تنظيم الطلاق والإرث والحضانة، سيتمكن هؤلاء الشباب من اتخاذ قرارات أكثر وضوحًا وأمانًا فيما يتعلق بحياتهم الشخصية والعائلية. يعكس هذا القانون أيضًا كيفية مساهمة التشريعات الدينية في التعامل مع القضايا المعاصرة بطريقة تحافظ على الهوية الثقافية والدينية للمجتمع.
التحديات المستقبلية
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات عديدة تواجه تنفيذ هذا القانون، بما في ذلك الحاجة إلى توعية المجتمعات المحلية بحقوقهم الجديدة والمبادئ الواردة في هذا التشريع. لذا، يجب العمل على إنشاء برامج تدريبية وتثقيفية تهدف إلى تعزيز الفهم الصحيح لهذا القانون وأهميته في حياة الأفراد.
أهمية الدعم الحكومي
يبرز الدور المهم للدولة في تعزيز تطبيق القانون الجديد. من الضروري توفير الدعم اللازم للمحاكم والجهات المختصة لضمان تنفيذ القوانين بفاعلية ومحاسبة للأطراف كافة. كما يتطلب الأمر مراقبة مستمرة لضمان أن الأمور تسير بالطريقة الصحيحة ولا تُعاد أي ممارسات قديمة تعيق حقوق الأفراد.
بتبني قانون الشؤون الشخصية للمسيحيين، تأمل الحكومة المصرية أن تحقق خطوات ملموسة نحو الإصلاح الاجتماعي وتعزيز الحقوق الأسرية ضمن المجتمع المسيحي. إن هذا القانون يمثل فجرًا جديدًا لمئات الآلاف من المسيحيين، آملين في مستقبل يُعزز من قيم المساواة والعدالة بينهم.